
منذ أسبوع
حيدر الأداني
نعيش اليوم في مجتمعات متنوعة تضم شعوبًا مختلفة بثقافاتها وعاداتها وتقاليدها تمنح كل جماعة قيماً ومبادئ تميزها عن سواها، ويعرف الناس بها بين بعضهم البعض.
فالاسم أو الديانة وحدهما لا يكفيان لتعريف أي جماعة، فهما مجرد وسيلة للمناداة. أما الهوية الحقيقية فهي الثقافة المتوارثة عبر الأجيال التي تعبر عن تاريخ طويل من التقاليد والقيم. الثقافة لا تعني فقط الأزياء أو الطعام أو الفنون، وإنما تشمل الأخلاق والمواقف والعادات التي تربى عليها الناس وحافظوا عليها رغم الظروف.
في الماضي، تعرضت كثير من الشعوب لتغييرات في ثقافتها بسبب الاستعمار والتغير الديموغرافي وتأثير المحيط الاجتماعي، الذي كان أحيانًا سببًا في فقدان الهوية الأصلية. كان هذا التغيير بطيئًا لكنه عميق الأثر.
أما اليوم، فنحن أمام تحدٍّ جديد يهدد هوية الشعوب، وهو الانفتاح الواسع عبر وسائل التقنية الحديثة التي ساهمت في تداخل الثقافات بشكل كبير حتى أصبح من المعتاد أن تتغير بعض العادات والتقاليد تدريجيًا.
ومع ذلك، ما زلنا نرى في بعض الشعوب مظاهر من عادات دينية وروحية قديمة تعود إلى آلاف السنين، وهي دليل على عمق التاريخ والإيمان. وعلى الرغم من التغيرات الكبيرة في العالم، لا يزال البعض يمارس هذه العادات، ما يعكس ارتباطه القوي بدينه وجذوره. لكن للأسف، أصبح بعض الناس ينظر إلى هذه الممارسات على أنها غريبة أو قديمة، رغم أن الأجداد حافظوا عليها بكل فخر وكرامة.
المعضلة الحقيقية اليوم أننا لا نلاحظ التغير الثقافي لأنه يحدث تدريجيًا، عبر العادات البسيطة التي نتركها، واللغة التي نتخلى عنها، والمناسبات التي لا نحتفل بها كما فعل الأجداد. ومع الوقت تصبح هذه التفاصيل مجرد ذكريات لا تُمارس ولا تُنقل إلى الجيل الجديد.
إن الموروث الثقافي يشبه شجرة متجذرة تتفرع منها السيقان التي تمثل العادات. وعندما نهمل عادةً، يسقط أحد هذه السيقان، وهكذا تستمر الشجرة في الذبول حتى تنهار بالكامل.
من المهم أن ندرك أن المجتمعات التي لا تحترم عاداتها، وتقلل من شأن ما هو حلال وحرام فيها، وتتكيّف بشكل أعمى مع مظاهر ما يسمى بالتطور، فإن ضياعها يكون أمرًا سهلاً.
فعندما يفقد الفرد القيم والمبادئ التي تربى عليها، يسير إما نحو الجهل أو نحو ثقافة زائفة مبنية على "تطور وهمي" لا يمت بصلة إلى جذوره، ولا يعكس هويته الحقيقية.
ومن الحلول لهذه المشكلة أن نبدأ من البيت والأسرة التي تعلم أبناءها محبة تراثهم واحترام عاداتهم، وتبدأ من المدارس التي تعرف الطلاب بتاريخهم، ومن الفعاليات والمهرجانات التي تحيي الأزياء، ونشجع الأطفال على ارتداء ملابس أجدادهم، ونروي لهم الحكايات التي كانت تقال في القرى.
رغم بساطة هذه الحلول، إلا أن تطبيقها اليوم يحتاج إلى وعي وصبر، لأننا نعيش في زمن صعب فيه الكثير من المغريات التي تبعد الناس عن ثقافتهم. ولهذا، من المهم أن نكون واقعيين ونتعامل مع العصر بذكاء عالي، فلا نرفض التكنولوجيا، وإنما نستخدمها لتعريف الآخرين بثقافتنا. من الجميل أن يعتز الفرد بما يملكه من ثقافة، وأن يعرف الآخرين بها. فالحفاظ على لغتنا وأغانينا وأعيادنا، وتربية الأجيال القادمة على احترام هذه الجذور، هو واجب ومسؤولية.