
منذ 6 أيام
جيا بريس - سنجار
مع اقتراب انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، تتصاعد المخاوف في سنجار من أن يغيب آخر صوت دولي كان يسلّط الضوء على معاناة الناجين من جرائم داعش، ويواكب ملف العدالة المتأخرة منذ أكثر من عقد. فهل سيترك الإيزيديون لمصيرهم في غياب الرقيب الدولي؟
القرار، الذي أُعلن عنه في أيار 2024، أثار مخاوف لدى الإيزيديين في سنجار، الذين يرون في مغادرة يونامي انسحابًا لأحد أبرز الجهات الدولية التي وثّقت معاناتهم، وتابعت ملفات العدالة الانتقالية بعد مجازر 2014.
"لدينا شعور بالإحباط لا يوصف لسماعنا أن بعثة الأمم المتحدة سوف تغادر، لأننا على يقين أن الجهات المحلية لن تلتفت إلينا"، يقول سلطان محمود، أحد الناجين من مجازر داعش، في تصريح نقله موقع "الحرة".
فقد محمود معظم أفراد أسرته أثناء اجتياح التنظيم لمدينة سنجار، ويؤكد أن البعثة الأممية كانت من الجهات القليلة التي وقفت إلى جانب الناجين، لا سيما في ما يخص توثيق جرائم الإبادة، والمتابعة مع المؤسسات القضائية المعنية بالعدالة والمساءلة.
فراغ محتمل وقلق حقوقي
بعثة يونامي، التي تأسست عام 2003 بقرار من مجلس الأمن، عملت على مدار 22 عامًا في دعم العملية السياسية في العراق، وتعزيز الحوار الوطني، إضافة إلى مساهمتها في تنظيم الانتخابات، وتقديم الاستشارات الفنية في مجالات الحوكمة والبيئة وحقوق الإنسان.
وفي المجال الحقوقي تحديدًا، ساهمت البعثة في دعم جهود العدالة الانتقالية للناجين من إرهاب داعش، والتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق الإيزيديين والمكونات الأخرى.
العضو السابق في المفوضية العليا لحقوق الإنسان، علي أكرم، حذر من أن غياب البعثة سيؤدي إلى "فقدان العراق آلية رقابية دولية محايدة"، كانت تضطلع بأدوار مهمة في كشف الانتهاكات وتعزيز الشفافية.
وأضاف في تصريح لـ"الحرة": "غياب البعثة الأممية من شأنه أن يقلل الضغط على السلطات العراقية، ويمنح جهات خارج إطار الدولة فرصة لتوسيع نفوذها، مما يضعف هيبة المؤسسات الرسمية".
سنجار تدفع الثمن
في سنجار، تبرز المخاوف من أن تكون المنطقة من أبرز المتضررين من إنهاء مهمة يونامي، بسبب تعقيد ملفاتها المرتبطة بالناجين والمقابر الجماعية والنازحين، بالإضافة إلى استمرار حالة التهميش والجمود السياسي في إدارتها.
يرى نشطاء محليون أن البعثة كانت تمثل شريان تواصل مهم مع المجتمع الدولي، وكان لوجودها دور في الحفاظ على الحد الأدنى من الانتباه العالمي لمعاناة الإيزيديين.
في المقابل، انتقدت الناشطة المدنية غدير حسن أداء البعثة، معتبرة أن "وجود يونامي لم يحقق نتائج ملموسة على مستوى الواقع اليومي للعراقيين"، في ظل استمرار الفساد وعنف الجماعات المسلحة، على حد قولها.
مستقبل العملية الانتخابية
من جهته، أشار الخبير في القانون الدستوري، وائل البياتي، إلى أن توقيت انسحاب يونامي يتزامن مع فترة إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو توقيت حساس قد يشهد توترًا سياسيًا ومخاوف من التشكيك في النتائج.
وحذّر البياتي من تراجع كبير في ملفي حقوق الإنسان وبناء الديمقراطية بعد مغادرة البعثة، قائلاً إن "ذلك سينعكس سلبًا على قدرة الحكومة المقبلة في استكمال إجراءات العدالة الانتقالية وتعزيز مؤسساتها".
أصوات تطالب بالضمانات
يطالب العديد من الإيزيديين والناجين الحكومة العراقية بالتحرك الفوري لسد الفراغ المتوقع، من خلال تشريع قوانين تحمي الأقليات وتكافح خطاب الكراهية، إضافة إلى تعزيز دور مؤسسات حقوق الإنسان المستقلة.
كما يناشدون المجتمع الدولي بعدم التخلي عنهم، حتى وإن غادرت يونامي العراق، مشددين على أن العدالة لا تزال غائبة، وأن معاناتهم لم تنته بعد.
بين مرحلة ما بعد داعش، وانسحاب الأمم المتحدة، يبقى مصير العدالة والإنصاف في العراق وسنجار معلقًا في ميزان معقد، يفتقد حتى الآن لضمانات حقيقية.