سنجار.. أزمة خدمية ممتدة وميزانية غامضة منذ عقد



تقارير | 1.1K
منذ أسبوع

جيا بريس - داليا صلاح الدين

 

تعاني مدينة سنجار، شمالي العراق، من أزمة خدمية حادة تتزامن مع غياب واضح للشفافية في الميزانيات المخصصة لإعمارها، رغم مرور أكثر من عشر سنوات على تحريرها من تنظيم "داعش". وعلى الرغم من الوعود المتكررة بتحسين واقع الخدمات، لا يزال المواطنون يواجهون نقصًا حادًا في الكهرباء، المياه، التعليم، والرعاية الصحية، وسط اتهامات بهدر الأموال وتوظيفها في صراعات سياسية داخلية.

 

خلفية تاريخية

في عام 2014، تعرضت سنجار لدمار واسع عقب سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة. وبعد تحريرها، خُصصت مبالغ مالية ضخمة ضمن خطط إعادة الإعمار، لكن هذه المشاريع اصطدمت بغياب الإدارة الفعالة وافتقار الشفافية. شهادات مواطنين تشير إلى تساؤلات مستمرة بشأن مصير تلك الأموال وسبب الفشل في تحسين الواقع الخدمي.

 

الميزانية الغامضة وأسباب تفاقم الأزمة

رغم التصريحات المتكررة عن تخصيص مبالغ كبيرة لإعمار سنجار خلال العقد الماضي، فإن الواقع على الأرض يشير إلى غياب أي تحسن ملموس. ويرى مراقبون أن أبرز أسباب الأزمة تتمثل في:

الصراعات السياسية: تعدد الجهات في سنجار جعلها ساحة لتجاذبات سياسية انعكست على تعطيل المشاريع الخدمية.

الفساد المالي: تصريحات تفيد بتورط جهات في التلاعب بالموازنات المرصودة، وسط ضعف الرقابة والمحاسبة.

البيروقراطية: تعقيدات إدارية عطلت تنفيذ العديد من المشاريع، وأدت إلى تأخر وصول الخدمات للمواطنين.


رئيس لجنة النزاهة في مجلس محافظة نينوى، مروان الطائي، قال في تصريح خاص لـ"جيا بريس": "قضاء سنجار تعرّض لتهميش كبير خلال السنوات الماضية، خصوصًا في عهد الحكومة المحلية السابقة، رغم موقعه الاستراتيجي وأهميته. وبعد هذه السنوات العجاف، بادرت وزارة الهجرة بدعم عودة النازحين، لكن العقبات السياسية ما تزال تعرقل تقديم الخدمات".

 

وأضاف الطائي: "رغم تنصيب قائممقام جديد للقضاء بعد سنوات من شغور المنصب، واجه القرار رفضًا من جهات سياسية ومسؤولين محليين، يعيقون أي تحرك لتحسين الواقع الخدمي في القضاء. ويبقى السؤال الأهم: أين ذهبت ميزانية سنجار خلال العشر سنوات الماضية؟ وإلى جيوب من تسربت الأموال بينما يعاني الأهالي من غياب أبسط مقومات الحياة؟".

 

واقع الخدمات المتدهور

رغم الميزانيات المعلنة، تستمر معاناة السكان مع انهيار شبه كامل في البنية التحتية، ويتصدر المشهد:

1. الكهرباء: انقطاعات مستمرة في التيار، ومنظومة طاقة غير مستقرة، ما يدفع الأهالي للاعتماد على مولدات خاصة تزيد من أعبائهم المالية.


2. المياه: يعاني السكان من نقص حاد في المياه النظيفة، ويضطر البعض للجوء إلى مصادر غير صحية.


3. الصحة: المستشفيات تفتقر إلى الكوادر والتجهيزات، ما يدفع المرضى إلى التوجه لمناطق بعيدة طلبًا للعلاج.


4. التعليم: ما تزال العديد من المدارس مدمرة منذ الحرب، والمدارس المتوفرة لا تستوعب أعداد الطلاب، مما يعمّق ظاهرة التسرب الدراسي.


5. الطرق والبنية التحتية: شبكة الطرق مهترئة، والشوارع تفتقر إلى الصيانة، ما يعيق التنقل ويؤثر على النشاط الاقتصادي.

 

ويقول الناشط المدني "خيرو گرعزيري" إن الكارثة الحقيقية في القرى والمجمعات التي عاد إليها النازحون مؤخراً، والتي تعرّضت لدمار شبه كامل إبان سيطرة تنظيم داعش، مثل الجزيرة، حطين، والعدنانية.

 

"هذه المناطق تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة؛ لا وجود لمراكز صحية فاعلة، ولا خدمات مياه أو كهرباء، بل حتى المدارس قليلة أو غير مؤهلة. العائدون يصطدمون بواقع قاسٍ يعكس غياب أي خطة جدية لإعادة الإعمار. العديد من المنظمات الدولية غادرت، والحكومة تكتفي بالتصريحات دون تنفيذ فعلي. أين خُصصت الميزانيات التي سمعنا عنها طيلة السنوات الماضية؟ لماذا لا تصل هذه القرى رغم أنها أولى بالدعم؟"

 

جهود حكومية ودولية محدودة

أطلقت الحكومة العراقية وعدد من المنظمات الدولية مبادرات لإعمار سنجار، لكنها وُصفت بأنها محدودة وغير متناسبة مع حجم الكارثة التي تعرضت لها المدينة. بعض المشاريع نُفذت بشكل جزئي، دون أن ترتقي إلى مستوى الاحتياجات.

 

أثر الأزمة على السكان

قائممقام سنجار بالوكالة، نايف سيدو قاسم، قال في تصريح: "أهالي القضاء يعانون من تراجع مستوى المعيشة، وانتشار البطالة، وغياب الفرص الاقتصادية والتعليمية، ما يدفع العديد من الشباب إلى الهجرة بحثًا عن مستقبل أفضل".

 

وأشار إلى أن الموازنات لم تُصرف في السنوات التي سبقت تحرير الموصل، لكن منذ عام 2019 تُخصص مبالغ لتنمية الأقاليم حسب الكثافة السكانية، إضافة إلى دعم المناطق المحررة. ورغم ذلك، تبقى الخدمات دون المستوى المطلوب.