
منذ أسبوعين
جيا بريس - عاصم سعيد
يُعد جبل سنجار من أبرز المعالم الطبيعية والثقافية في شمال غرب العراق، ويمثل شاهدًا حيًا على عمق الجذور الحضارية للمنطقة. ويمتد الجبل عبر محافظة نينوى، ويُعرف بثرائه الثقافي وتعدده الديني، واحتضانه لمواقع أثرية تعود إلى فترات تاريخية متعاقبة.
لكن هذا الإرث اليوم يواجه تحديات متزايدة تتمثل في الإهمال، والتخريب، والنهب، مما يهدد الهوية الثقافية للمنطقة، ويستدعي تحركًا عاجلًا لحمايته.
جبل سنجار.. معقل التاريخ والسكان منذ آلاف السنين
يرتفع جبل سنجار إلى نحو 1,463 مترًا فوق مستوى سطح البحر، ويتميّز بموقع استراتيجي يربط بين العراق وسوريا. وقد شكّل عبر العصور ملاذًا طبيعيًا لسكانه، وساهم في نشوء مجتمعات مستقرة استغلت موارده الطبيعية في الزراعة والرعي.
وتشير الدراسات الأثرية إلى أن الجبل والمنطقة المحيطة به كانت مأهولة منذ العصور القديمة، حيث تم العثور على دلائل سكن بشري في مواقع متعددة، ما يثبت استمرارية الاستيطان في هذه المنطقة منذ آلاف السنين.
"ذاكرتنا تندثر أمام أعيننا"
قال أحمد صالح، أحد سكان قضاء سنجار، إن المواقع الأثرية في الجبل تمثل بالنسبة لسكان المنطقة أكثر من مجرد بقايا حجرية. وأوضح أن كل ضريح، وكل نقش، وكل جدار قديم هو جزء من ذاكرتهم وهويتهم الجمعية.
وأضاف: منذ كنا صغارًا، كنا نزور هذه الأماكن مع آبائنا، نستمع إلى الروايات التي ترويها، ونشعر بالفخر أننا أبناء أرض حضارتها سبقت الزمن. اليوم، عندما أمر بجوار تلك المواقع وأراها مدمّرة أو مهملة، أشعر وكأن جزءًا من حياتنا يختفي بصمت.
وأشار صالح إلى أن المجتمع المحلي يشعر بالعجز أمام ما يحدث لهذا التراث، مطالبًا الحكومة والمؤسسات الثقافية بـ"التدخل السريع لحماية ما تبقى من هذه المعالم التاريخية".
وأكد أن حماية الآثار ليست مطلبًا محليًا فحسب، بل هي مسؤولية وطنية لأن "هذه المواقع ليست ملكًا لسنجار فقط، بل لكل العراقيين".
المواقع الأثرية: تراث في مهبّ الإهمال
تُظهر بيانات الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية أن جبل سنجار والمناطق المحيطة به تحتوي على عدد من المواقع الأثرية المسجّلة رسميًا، تعود لفترات متعددة تشمل العصور الآشورية، والإسلامية، وما قبلها.
وتتنوع هذه المواقع ما بين أضرحة دينية، وأطلال قرى قديمة، وكهوف أثرية، تُعد جميعها شاهدًا على التاريخ العريق والتنوّع الثقافي الذي عرفته المنطقة.
وتشير تقارير مشتركة بين الهيئة العامة للآثار وجهات أكاديمية إلى أن عددًا من هذه المواقع يعاني من الإهمال، ويحتاج إلى مسوحات أثرية شاملة وتوثيق علمي دقيق. وقد تعرّض بعضها لأضرار نتيجة العوامل الطبيعية، وأخرى بسبب غياب الحماية أو التخريب المتعمد.
"هذا الجبل يحمل كنزًا لا يقل عن النفط"
قال الدكتور نبيل نورالدين، أخصائي في السياحة الأثرية، إن سنجار تُعد من أغنى المواقع التاريخية في العراق والمنطقة، موضحًا أنها تقع في قلب منطقة الجزيرة، والتي كانت تُعرف قديمًا باسم بلاد ما بين النهرين – ميزوبوتاميا، مهد أقدم الحضارات البشرية.
وأشار إلى أن حضارات عظيمة نشأت على هذه الأرض، من بينها السومرية، الأكدية، البابلية، والآشورية، معتبرًا أن هذه الحضارات لم تكن محلية فقط، بل "أثرت في مسار البشرية وأسست لمفاهيم الكتابة والتشريع والتنظيم الزراعي".
ويرى نورالدين أن العراق يمتلك كنزين رئيسيين: النفط والآثار، لكنه يؤكد بأسف أن التركيز ينصب على النفط، في حين تُهمل الآثار، رغم أنها مورد متجدد يمكن أن يشكل قاعدة اقتصادية مهمة.
وأوضح قائلًا: هناك دول لا تملك سوى القليل من التاريخ، ومع ذلك تعتمد على السياحة الأثرية بشكل أساسي في اقتصاداتها، بينما نحن نملك أول مكتبة في التاريخ، وأول من اخترع العجلة وسنّ القوانين، ومع ذلك لا نستثمر هذا التراث بالشكل المناسب.
وشدد على ضرورة إطلاق مشاريع سياحية ثقافية في سنجار وجبلها التاريخي، مؤكدًا أن "إحياء هذه المواقع وتحويلها إلى وجهات سياحية يمكن أن يوفر بديلًا استراتيجيًا للنفط ويُسهم في تنمية الاقتصاد الوطني."
تهديدات متراكمة
منذ عام 2014، تعرضت سنجار لأضرار جسيمة نتيجة العمليات العسكرية والنزاع المسلح، ما انعكس سلبًا على البنية التحتية والخدمات، وأدى إلى تضرر عدد من المواقع الأثرية، إما بفعل التدمير المباشر أو نتيجة الإهمال.
وتشير تقارير صادرة عن منظمات ثقافية دولية مثل اليونسكو والإيكوموس إلى أن العديد من المواقع الأثرية في العراق عمومًا، وسنجار خصوصًا، مهددة بالزوال بسبب غياب الحماية، والنهب غير المشروع، وتغير استخدامات الأرض، ما يجعل مهمة الإنقاذ أكثر تعقيدًا.