عدالة مفقودة لإبادة موثقة: الإطار القانوني لجريمة الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين



تقارير | 1.5K
منذ أسبوعين

جيا بريس - عاصم سعيد

 

في صباح الثالث من أغسطس 2014، تعرّضت مدينة سنجار شمال العراق لهجوم واسع النطاق نفّذه تنظيم "داعش" ضمن حملة ممنهجة استهدفت الإيزيديين. لم يكن الهجوم مجرد اجتياح عسكري، بل شكّل عملية إبادة جماعية شملت القتل، الاستعباد، التهجير، التجويع، وتدمير الهوية الدينية والثقافية.

 

رغم مرور أكثر من عقد على هذه الجرائم، لا تزال العدالة غائبة، والمحاسبة متأخرة. يسلّط هذا التقرير الضوء على الإطار القانوني الدولي والوطني المتعلق بالجريمة، ويحلل الثغرات التي سمحت بالإفلات من العقاب، ويستعرض المواقف الدولية والتوصيات الضرورية لتحقيق العدالة.

 

أولًا: الإطار القانوني الدولي لجريمة الإبادة الجماعية
تعرّف اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948 الإبادة الجماعية بأنها أفعال تُرتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو دينية أو عرقية كليًا أو جزئيًا، وتشمل:
• القتل العمد لأفراد الجماعة
• التسبب في أذى جسدي أو نفسي جسيم
• إخضاع الجماعة لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها
• فرض تدابير لمنع الإنجاب
• النقل القسري للأطفال


تتطابق الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين مع هذا التعريف، كما تؤكد تقارير أممية وهيئات دولية.

 

ثانيًا: اعتراف المجتمع الدولي بالجريمة كإبادة جماعية

منذ عام 2015، توالت التصريحات الدولية التي أكدت أن ما حدث في سنجار يمثل إبادة جماعية. من أبرزها:
• المفوضية السامية لحقوق الإنسان: أكدت أن الجرائم ترقى إلى إبادة جماعية.
• أمل كلوني: دعت إلى محاكمات دولية لضمان العدالة.
• فريق UNITAD الأممي: أكد امتلاكه لأدلة كافية لإدانة الجناة.
رغم هذا الإجماع، لا تزال الخطوات القضائية الدولية محدودة وضعيفة.

 

ثالثًا: القصور في الإطار القانوني العراقي
حتى عام 2025، لم يصدر قانون عراقي يجرّم الإبادة الجماعية بشكل صريح. تمت محاكمة أغلب عناصر "داعش" وفق قانون مكافحة الإرهاب، دون الاعتراف بطبيعة الجرائم كجرائم دولية.


أوجه القصور تشمل:
• غياب تعريف قانوني واضح للإبادة الجماعية
• تجاهل البعد الثقافي والديني للجرائم
• غياب محكمة وطنية مختصة بالجرائم الدولية

 

إحصائيات:
• عدد القضايا الدولية بتهمة الإبادة: 3 فقط (جميعها خارج العراق)
• المحاكمات داخل العراق: أكثر من 2000 قضية، معظمها بتهم الإرهاب

 

رابعًا: ضعف الإرادة السياسية والتحديات التشريعية
في ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة العراقية نيتها إصدار قانون خاص بالإبادة الجماعية، لكن المشروع لا يزال متعثرًا بسبب الخلافات السياسية. أشار مجلس حقوق الإنسان إلى أن المصالح الجيوسياسية تمثل عائقًا رئيسيًا.

 

خامسًا: المحكمة الجنائية الدولية وغياب الإحالة الرسمية
رغم الاعتراف الدولي، لم تُحال القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب:
• عدم انضمام العراق لنظام روما الأساسي
• غياب قرار من مجلس الأمن نتيجة التوازنات السياسية


لكن بعض الدول، مثل ألمانيا، بدأت باستخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية، كما في محاكمة فرانكفورت (نوفمبر 2023).

 

الفراغ التشريعي والاعتراف الناقص: شهادة خبير قانوني

قال الدكتور حسام زيدان الفهاد، أستاذ القانون، إن الجرائم ضد الإيزيديين تفوق كل التصنيفات القانونية، وتشكل جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان. وأكد أن مرور عشر سنوات دون محاسبة يمثل فشلًا أخلاقيًا وقانونيًا.

 

وأضاف: "هل الخلل في المطالِب أم في الجهة الحاكمة؟ في كلتا الحالتين، الصمت تواطؤ."

 

ودعا إلى إصدار قوانين واضحة، وتحقيق العدالة على أساس طبيعة الجريمة، والاعتراف الكامل بما جرى في سنجار، ومحاسبة الجناة بما يتناسب مع الفظائع.

 

واختتم تصريحه: "العدالة للإيزيديين ليست حقًا فحسب، بل واجب لا يقبل التأجيل."

 

سابعًا: التوصيات
• إصدار قانون وطني يجرّم الإبادة الجماعية ويعترف بضحايا سنجار
• تأسيس هيئة قضائية وطنية بالتعاون مع UNITAD
• انضمام العراق للمحكمة الجنائية الدولية أو طلب إحالة من مجلس الأمن
• إشراك الناجين والناجيات في التوثيق وتمثيلهم قانونيًا
• دعم منظمات المجتمع المدني في جهود التوثيق
• تضمين الجرائم ضد الإيزيديين في المناهج التعليمية
• إنشاء برامج دعم نفسي واجتماعي للناجين
 

تمثل الجرائم المرتكبة في سنجار بحق الإيزيديين واحدة من أكثر الانتهاكات توثيقًا ووضوحًا من حيث الأركان القانونية لجريمة الإبادة الجماعية، ومع ذلك، لا يزال غياب العدالة الدولية والمحلية يطرح تساؤلات جدية حول فعالية النظام القانوني الدولي وقدرته على حماية المجتمعات المستضعفة.