
منذ 4 أشهر
تركية شمو
في تقريره أمام مجلس الأمن الدولي خلال الاجتماع 9803 بتاريخ 6 كانون الأول، قدم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، د. محمد الحسان، عرضًا شاملاً حول الوضع الأمني والسياسي في العراق. وُصف التقرير بأنه مهم في تقييم تطورات العراق وتقديم التوجيه للمجتمع الدولي.
ورغم أن التقرير يسلط الضوء على الوضع السياسي والأمني في العراق، ويؤكد أن "العراق اليوم ليس هو العراق قبل عشرين عامًا، أو حتى قبل خمسة أعوام، فالعراق اليوم أكثر أمنًا واستقرارًا"، إلا أنه أغفل ملفات إنسانية هامة، بما في ذلك حقوق الإيزيديين والمكونات العرقية في العراق.
من المعروف أن التقارير الأممية المقدمة إلى مجلس الأمن تُعد وثائق هامة يُستند إليها في اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل الدول واستقرارها.
ويُعتبر مجلس الأمن الهيئة الرئيسية المسؤولة عن حفظ السلام والأمن الدوليين، مما يمنح أي تقرير يُعرض عليه تأثيرًا بالغًا في صياغة السياسات والقرارات الدولية. إن التقارير التي لا تعكس الحقيقة كاملة أو تتجاهل قضايا محورية قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات غير دقيقة أو حتى ضارة في مسار تحقيق العدالة والسلام.
ورغم أهمية التقرير في تسليط الضوء على الأوضاع السياسية والاقتصادية، إلا أنه فشل في تناول قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالفئات الأكثر تضررًا في العراق، وعلى رأسها الإيزيديون. هذا التجاهل يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان.
لم يتطرق التقرير بشكل عام إلى ملف سنجار والإيزيديين في مناطقهم، ولم يتناول بشكل كافٍ العديد من القضايا الأساسية التي تؤثر على حياتهم.
على سبيل المثال، لم تتم الإشارة إلى المقابر الجماعية في مناطق الإيزيديين، وهي قضية حساسة للغاية. لا تزال العديد من المقابر الجماعية، التي تضم رفات عائلات بأكملها، بما في ذلك النساء والأطفال، مجهولة المصير. لقد مرَّ عقد من الزمان منذ وقوع المجزرة، لكن للأسف لم يتم التحقيق في هذه المقابر بشكل جاد، ولم تتحقق العدالة للضحايا. هذا التجاهل يعد إهمالًا خطيرًا لمعاناة الإيزيديين، الذين لا يزالون يعانون من تبعات ممارسات تنظيم داعش الإرهابي.
إضافة إلى ذلك، فإن 80% من البنية التحتية لقضاء سنجار قد دُمرت بالكامل خلال وجود تنظيم داعش الإرهابي، ولا توجد ميزانية واضحة لإعادة إعمار المنطقة. جميع الجوانب الخدمية في القضاء، بما في ذلك التعليم والصحة والبيئة والكهرباء، بحاجة ماسة إلى الدعم. ومن اللافت للنظر أن هناك حصة مخصصة من "صندوق إعمار سنجار"، لكن لا أحد يعرف مصير هذا الصندوق أو كيفية تخصيصه لإعادة بناء المنطقة. كما أن المجمعات السكنية في سنجار، وبالرغم من مرور سنوات على الإبادة، لا تزال تعاني من نقص حاد في المياه والكهرباء، حيث تعتمد الغالبية العظمى من السكان على شراء مياه الشرب من مصادر خاصة. هذا الوضع يستدعي تدخلاً عاجلًا لإنقاذ هذه المنطقة التي تعرضت لدمار شديد وحرمان من جميع الخدمات الأساسية.
من المثير للدهشة أن التقرير الأممي تناول قضايا مفقودي الكويت ومواطني الدول الأخرى، وأكد على استمرار الجهود لإعادة مواطني العراق من مخيم الهول في سوريا، دون أن يتطرق إلى مفقودي الإيزيديين في العراق، رغم أن مصيرهم لا يزال مجهولًا، ودون أي دعم حقيقي من الحكومة العراقية. وبينما يتم توفير بيئة آمنة لعائلات داعش، لا يزال آلاف الإيزيديين يعيشون في مخيمات النزوح منذ أكثر من عشر سنوات.
كما لم يتم التطرق إلى قضية الناجيات والناجين الإيزيديين، الذين تعرضوا لأبشع أنواع القتل والتعذيب والاغتصاب. لا تزال آلاف النساء في عداد المفقودات، وحياتهن مهددة في مخيمات اللجوء، دون أن تجد الحكومة العراقية أو الأمم المتحدة حلًا فعليًا لهذه القضية.
ورغم أن التقرير أشار إلى معاناة النازحين بشكل عام، وذكر أن الآلاف من الإيزيديين يعيشون في ظروف قاسية داخل المخيمات، إلا أنه تجاهل العديد من التفاصيل الحيوية المتعلقة بحالتهم. فقد أشار التقرير إلى أن "قرار رئيس الوزراء بتشكيل اللجنة الوطنية العليا، بالتشاور مع الأمم المتحدة، لمعالجة مسألة النزوح هو خطوة في الطريق الصحيح"، لكن هذا يبقى غير كافٍ على أرض الواقع.
فعملية عودة النازحين لا تزال متوقفة، حيث تم إيقاف "كتاب العودة" وتجميد الآليات المتعلقة بهذه المسألة، وهو ما يعد خرقًا للقوانين الدولية التي تضمن حماية حقوق النازحين وإعادة تأهيلهم. والأسوأ من ذلك، لم يتطرق التقرير إلى تحويل هذا الملف الإنساني إلى ملف سياسي، دون النظر إلى أوضاع النازحين وخطورة بقائهم في المخيمات، بالإضافة إلى خطر هدر حقوقهم بسبب التغير الديموغرافي لمناطق الأقليات والهجرة المستمرة نتيجة التهديد العرقي الذي تتعرض له المكونات العرقية.
ومن المفارقات اللافتة أن المبعوث الأممي في العراق، د. محمد الحسان، كان من المقرر أن يزور قضاء سنجار في نوفمبر 2024 لمتابعة الوضع عن كثب، إلا أن الزيارة أُلغيت دون تقديم أي أسباب واضحة. هذا الأمر يثير تساؤلات حول دلالات إلغاء الزيارة في وقت حساس، حيث كان من الممكن أن تساهم في تسليط الضوء على معاناة الإيزيديين والعمل على رفع معاناتهم.
أهمية تقارير الأمم المتحدة في مجلس الأمن
تُعد التقارير المقدمة إلى مجلس الأمن أساسًا في تشكيل السياسات الدولية وتوجيه الإجراءات اللازمة لضمان السلام والأمن. فهي تمثل صورة حقيقية وموثوقة لما يحدث في البلدان التي تشهد صراعات وانتهاكات لحقوق الإنسان. وإذا تم إغفال قضايا أساسية، مثل حقوق الإيزيديين، فإن ذلك يشكل تهديدًا خطيرًا لتحقيق العدالة. عدم تضمين هذه القضايا الحساسة قد يؤدي إلى تجاهل معاناة الفئات الأضعف ويعرقل المساعي الدولية لضمان حقوقهم.
عندما لا يتم تناول الحقيقة الكاملة، بما في ذلك قضايا الأقليات مثل الإيزيديين، فإن ذلك يفتح الباب أمام تأثيرات سلبية في معالجة القضايا العالقة. قد يؤدي هذا التجاهل إلى قرارات دولية خاطئة تعطي انطباعًا غير دقيق عن الوضع في العراق، مما يساهم في تأجيل الحلول التي قد تحقق الاستقرار الدائم وتضمن العدالة لجميع الفئات المتضررة.
خطر تغاضي الحقيقة في التقارير الأممية
غض الطرف عن الحقائق الأساسية يشكل خطرًا حقيقيًا على قدرة الأمم المتحدة في تقديم الدعم الفعلي والمساعدات الإنسانية للمجتمعات الأكثر تضررًا. وبما أن التقرير الأممي حول العراق يؤثر بشكل كبير في السياسة الدولية تجاه العراق، فإن إغفاله للقضايا الإنسانية التي تواجهها الأقليات يعزز مواقف سياسية غير دقيقة، مما يعقد الوصول إلى حلول فعالة. إن التغاضي عن هذه الحقائق يُعد إهدارًا للفرص التي يمكن أن تحسن حياة الملايين وتساعد على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
في الختام
إن تجاهل حقوق الإيزيديين والأقليات في تقرير الأمم المتحدة يعد خطوة خاطئة قد تسهم في تأخير تحقيق العدالة في العراق. من الواجب على الأمم المتحدة أن تعطي الأولوية لقضايا الإيزيديين، وأن تعمل على الضغط على الحكومة العراقية لضمان تحقيق العدالة وعودة الإيزيديين إلى ديارهم في ظروف آمنة ومستقرة.